مرحباً يا صباح

( ١) مرحباً يا صباح (1)
لحظات مع سمير طحان

عبد الكريم منش أبو الكرم الزعيم، زميل الدراسة في معهد الأرض المقدسة ورفيق الطفولة والصبا والشباب في حارتَيْ النيّال والسليمانية وصديق العيلة، في بيت أهله الكائن في عوجة الجب، أقمنا أوّل مسرح لنادي الحارة وقدّمنا صباح كل أحد في العاشرة والنصف مسرحية طويلة أو مجموعة تمثيليات قصيرة بتعرفة قدرها نصف فرنك للبنت وفرنك للصبي، وكان من روّاد مسرحنا :
كرم بدو وأختيه ليديا ودنيز
نبيل حلب وأخته
عاطف وغسّان خوّام
جورج حماسيان
جورج مارديني وابنة عمّو
أبن مصرية وأخته التي سلبني بياض ساقيها بالمينيجوب

كنت على المسرح وبيدي رمح، فإنفلت الرمح من يدي وأصاب فخدها، وأنّفلتُ هارباً وكم كان موقف والديها نبيلاً حين التقياني وطيّبا خاطري قائلين :
ولا يهمك يا سمير، هذا طبيعي، في حسن بجنّن، خدش بسيط ومارح يترك أثر.

وساهم معنا أبو الكرم في تأسيس متحف العلوم الطبيعية في قبو بيت النيال حيث صبّرنا عدداً كبيراً من الحشرات والزواحف ولا أنسى سهرتنا في مقبرة الأنكليز لتصيّد الوطواط وتصبيره ، كما نقبّنا في تراب الهلّك وجبل العضام وخان العسل وجمعنا عدداً كبيراً من مستحاثات نباتية وحيوانية وعرضناها عرضاً أنيقاً مع معلومات مفصّلة عن كل معروض وساهم معنا أبو الكرم في مشروع فيلم الأسبوع وكنّا نأخذ أولاد الحارة إلى أحد الأفلام ونقيم ندوة تحليلية بعد الفيلم ومع أبو الكرم حضّرنا إكسير العسكوشمرمزفكينچ من العرق والسينزانو وعنبرية القرفة والويسكي وشيرة مربى الجوز والمارتيني والروم والماراسكينو وعنبرية الزعرور وعنبرية الفل والكونياك والجين وصار هذا الإكسير محك اختبار الرأس الثقيل من الرأس الخفيف ومع أبو الكرم بدأنا بإعداد الأسس النظرية لتيار التلقائية في الحياة وألأدب والفن وقواعد الفلسفة البوهولية العلمية وخطة الخروج من الورطة لتمكين العلماء والأدباء والفنانين من استلام قيادة الدول وبالتالي العالم.

وفي مرسم أبو الكرم في بيت جدّه، بين اللوحات المتناثرة، ضجّت أعظم الحوارات والنقاشات في كل أمور الحياة ودوّنت أنا بخط يدي على لوحة تدهور الحضارة قصيدة تلقائية ودوّن فايز مقدسي على لوحة قوس قزح قصيدة بوهولية وكنت غائصاً في تلك الفترة بدراسة مدرسة الجشطلت النفسية فأنهوست بلوحات رورشاخ وأشتريت أحباراً متنوعة، أسود أزرق أحمر أخضر أصفر وأنكببت أصك من هذه اللوحات وأنتقي أروعها وأخطط لكتابة أشعار في فراغاتها ثم نشرها وتوزيعها كجنس أدبي فنّي جديد وقبل أن أذهب إلى الخدمة الإلزامية أهديت كل هذه اللوحات إلى أبو الكرم.

كان الأساتذة الأجانب في كلية العمارة في حلب، معجبين بتصاميم أبو الكرم الحديثة وخاصة البروفيسور الفرنسي كابلان والفرنسي لامي وقد إقتنيا بعض لوحات أبو الكرم من المعرض الذي أقامه في كلية العمارة والذي أثنى عليه لؤي كيّالي ثناءً منقطع النظير…..

وأنا في مستشفى المزة العسكري بين الحياة والموت، أوّل من زارني، كان أبو الكرم وكان يخدم عسكريته في دمشق وثابر على زيارتي يومياً ثم إستأجر لي غرفة في بيت السيدة لوريس زحلاوي حيث كان يسكن وهناك إلتقيت رفيق الحارة موريس أزرق الذي كان يسكن الغرفة الثالثة وحين أحالوني إلى التقاعد ورفضوا إعادة إرسالي لإسبانيا لإستكمال العلاج ثارت حمية أبو الكرم وأمّن لي لقاءً مع رفعت الأسد لرفع الظلم عنّي. رافقني موريس أزرق إلى ڤيللا المذكور في شارع القصور والتي كان يدوكرها أبو الكرم الذي استقبلنا وأجلسنا في غرفة قرب الباب.

حين دخل رفعت الأسد الغرفة، وكان أبو الكرم قد أعطاه فكرة عني، سمع قصتي على الماشي وقال دون أن يقف :
لقد أخذت كل حقوقك حسب القانون السوري ولا أقدر أن أفعل لك شيئاً.

عدنا خائبين صامتين قلقين على مستقبل سوريا بيد مثل هؤلاء وما أزال أحلم بإملاء فراغات لوحات رورشاخ بالأشعار ونشرها وتوزيعها!!!!!

سمير عارف طحان
مع تحيات آل طحان